شباب الحدين

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
شباب الحدين

منتديات شباب الحدين


    صخرة على جسد مفتول العضلات

    avatar
    الكابتن


    عدد المساهمات : 5
    تاريخ التسجيل : 22/01/2010

    صخرة على جسد مفتول العضلات Empty صخرة على جسد مفتول العضلات

    مُساهمة من طرف الكابتن الجمعة مايو 14, 2010 2:43 pm

    URL=https://2img.net/r/ihimizer/i/asd13.jpg/]صخرة على جسد مفتول العضلات Asd13[/URL]

    Uploaded with ImageShack.us


    كان الجسد المفتول العضلات يئنُّ تحت وطأة الحجر الثقيل الجاثم على صدره..

    يجمع صاحبه كل قوته.. يتذكر مشهد فريد شوقي في فيلمه الشهير "عنتر بن شداد" وهو مربوط إلى الحائط بالحجارة، ثم يثور فتسحب عضلاته الجبارة سلاسل القيد لتستحيل حجارة الحائط مطرقةً على رءوس أعدائه يضرب بها ذات اليمين وذات الشمال.. يتذكر قوة فريد بن شداد أو عنترة بن شوقي، ويسعى للتخلص من الحجر بدفعه بعضلات الصدر أو الترايسيبس أو حتى الباي سيبس أو ما شابه؛ لكن كل قواه تخور.. أيام مرت وشهور ومفتول العضلات يقاوم الصخرة ويحاول عليها أن يثور.



    لم يكن أحد يعلم أنه حي.. أو حتى موجود، وذلك بفعل مقاومته للصخرة التي ضغطت على الأرض من تحته؛ لتحتويه حافرة له تابوتًا وناحتةً في بطنها لقده رحمًا.. فقط الذين قذفوا عليه الصخرة كانوا يعلمون أنه حي.. جعلوا الإضاءة والديكور المحيطين بمفتول العضلات وصخرته تحيل المكان إلى ميدان، يغدو الجميع حوله ينظرون إلى الصخرة الجاثمة على الأرض التي ترتعش بين الحين والآخر بفعل الراقد تحتها نظرات عجب واندهاش وانبهار، ويمصمص الجميع شفاههم المتشققة، ويضربون أكفهم البائسة، ويهتفون كلٌّ حسب توجهه.



    - فقائل: هذا من أثر عمليات التنقيب على البترول التي تقوم بها حكومتنا الرشيدة.



    - وثانٍ يؤكد: أن حركة صخرة الميدان بفعل حفريات المرحلة الجديدة من مترو الأنفاق.



    - وثالث يقول بثقة: إن الصخرة باب سري لأحد سراديب الأجهزة الأمنية السرية.



    - ورابع يهتف بتضرع: مدد دي الطاهرة يا أسيادنا زعلانة عشان المولد اتلغى السنة اللي فاتت!



    - ويرده خامس: لا دي العذراء..



    - ينظر سادس: هذه ظاهرة جيولوجية حيوية؛ لأن مصر تقع في الجانب المرتعش من القشرة الأرضية.



    - ويقول سابع هازئًا: مرتعش إيه.. دي بتتهز لأن ده وسط البلد!!



    والحقيقة أن مَن قذفوا الصخرة على مفتول العضلات منذ قرابة العقود الثلاث كانوا لا يستهدفون قتله أو القضاء عليه؛ لأنهم ببساطة يقتاتون من دمه.. يشربون عرقه..



    يستنسخون بعض خلاياه لندرتها.. ويتاجرون في نخاعه جزعًا جزعًا.. ويبيعون نسله في أسواق النخاسة- ومَن يرفض منهم يطاردونه أو يطردونه-.. كما أنهم يحلبون أفكاره.. وكل يوم يكتشفون أنه يمتلك كنزًا جديدًا يخبرهم به في ساعات الصفاء التي يعدونه فيها بمساعدته على الخروج من عنق الزجاجة!



    وعدوه مرات عديدة بأن العلم الحديث تقدمت معه الآليات والوسائل التقنية، وأنهم اتفقوا مع كبرى الشركات على إنتاج إحدى المعدات الحديثة جدًّا لرفع الصخرة، وخلال أربع سنوات سيتم الانتهاء من صناعة الآلة الرهيبة.. هزَّ رأسه فرحًا.



    أقنعوه بأنه يجب أن يتحمل الألم لأن تاريخ أسلافه وآبائه وأجداده في ذلك حافل.. وسيضيع كل تراثه إن تألَّم أو تأوَّه أو حتى أصدر صرخةً.. وبثوا في روعه أن الألم الذي لا يحتمل بالتدريج يقل وأن العادة تسقط الدهشة ومعها ما يخالطها من ألم وهمٍّ وغمٍّ وخلافه.



    وأحضر أصحاب الصخرة خبراء عدة لمفتول العضلات:

    - فالخبير المتخصص في التنمية البشرية قال بياقته شديدة البياض، وشعره الذي يسوي بيده خصلاته كلما تدلَّت على عينيه: "إن القدرة على تحمل الألم تنبع من طاقةٍ في العقل الباطن يدعمها الأدرينالين وهي تدرب الجسد على مقاومة آلام الموت التي تنمو تدريجيًّا، وبالتالي تطيل عمر الإنسان".



    - ومن ناحيته رفض استشاري الصحة العامة واللياقة البدنية أي ادعاء بأن ثبات الجسد تحت الصخرة يسبب تعفن الجسم وإصابته بقرح الفراش، مؤكدًا: أن قرح الفراش تصيبه في حالة واحدة، وهي أن تكون الصخرة وقعت عليه وهو نائم على السرير وليس على الأرض التي هي أم الإنسان وأن أي عفن يمكن أن يحدث ما هو إلا نتيجة لبعض الفطريات التي لا تضر؛ لأن الفطر كله منافع، ولا أدل على ذلك من الماشروم- عيش الغراب- الذي يصل سعره لشيء وشوياااات!.



    وبالطبع صاحبت حالة الإقناع- المدعومة بالآراء المتخصصة- بضرورة الصمت حالة أخرى من التأصيل الشرعي للصمت؛ حيث كان يزور صاحب العضلات بصفة دورية شيخ جليل، وخلال الزيارة يُذكِّره بقصص السلف الصالح الصابر على ابتلاءات الله دون أن يقع في شرك "أن يشكو الخالق للخلق"، ويضيف "هوا حد ليه في نفسه حاجه.. ده نفس داخل ونفس طالع.. ولا بد من التسليم بقضاء الله فمَن لم يرض بقضائه ويصبر على بلائه فليخرج من تحت سمائه وليتخذ له ربًّا سواه.. وحاشا لله أن تكفر به".



    وعندما كان يمل مفتول العضلات من الصبر سريعًا ما كان الشيخ يرده إلى أنه لا فرارَ من قضاء الله، ويشرح ذلك قائلاً: "قضاؤه وفيه رحمة.. ربما هذه الصخرة أفضل من غيرها يعني من الممكن أنها كانت ستقع على رجلك فيقطعوها أو ربما ترفعها وتسير فتصدمك سيارة نقل وتموت.. يا راجل احمده على كده وأكثر من كده، وكن من الحامدين في السراء والضراء".



    وكان أصحاب الصخرة يشغلون على مفتول العضلات حياته.. ويملأون عليه فراغها.. وطول أيامها.. يؤكدون تعرُّض حياته لكارثة تهدد بقاءه وهي تساقط شعر رأسه، ومن ثَمَّ يعقدون مؤتمرًا.. وندوات وحلقات نقاشية.. ويصدرون توصيات ويُشكِّلون لجان عمل ولجان متابعة ومشرفي تنفيذ للسيطرة على الوضع.



    ويكتشفون أن أظافر أصابعه بدأت تكبر بطريقةٍ غير مناسبة، وبالتالي لا بد من احتواء الموقف، خاصةً في ظل فتاوى الشيخ الجليل بأن هذا "ضد سنن الفطرة والعياذ بالله".



    ويختلفون حول كيفية معالجة الروائح المتصاعدة من تحت الصخرة أو كيفية القضاء على الحشرات التي بدأت تزيد من حولها أو حكم أدائه للصلاة بالإيماء، وهل تكفي العينين لهذا الغرض أم لا بد من تحريك الرقبة.



    وهكذا امتلأت على مفتول العضلات حياته بقضايا وآراء ولجان وأحيانًا انتخابات للجان ومشاريع قوانين ورؤى مستقبلية وخطط خمسية وخمسينية ومئوية وألفية.. فنون وسياسة وصحة وإعلام وأمن واتفاقيات ومعاهدات واتفاقيات وحروب كلامية والرأي والرأي الآخر.. وغيرها كثير من مظاهر الحياة العامرة التي كان أصحاب الصخرة فاعلين فيها بطريقة رائعة، بينما مفتول العضلات يتابع بمنتهى الاهتمام في صمته الصحي والإستراتيجي والعقائدي.



    مرَّت السنون والسنون وفي ذكرى سقوط الصخرة على مفتول العضلات، وتحديدًا عندما كان مفتول العضلات في إحدى لحظات تأمله الصامت تسلل من بين الجموع المحتفلة بالذكرى القومية طفل صغير هاجمه نداء الطبيعة فرأى أن يلبيه إلى جوار الصخرة.



    القطرات الحارة المتدفقة من بدن الطفل.. دفعت بغير وعي مفتول العضلات ليصرخ في الطفل ناهرًا إياه "ولد عيب يا قليل الأدب"، اندهش الطفل وهو ينظر للعينين العائمتين في بوله والفم الذي يدفع بزفيره الماء.



    أخرج الطفل منديله.

    مسح الطفل وجه مفتول العضلات.

    وابتسم الطفل.. وابتسم مفتول العضلات.



    "أنا آسف يا عمو" قالها الطفل وأردف "بس على فكرة أنا ممكن أجيب أصحابي وندفع الصخرة عن صدرك.. هم صغار.. لكن والله ممكن.. لا تخف يا عمو.. سنعود".



    وابتعدت خطوات الطفل.. وشعر مفتول العضلات بتأنيب ضمير.. والتفت الطفل قائلاً: "عمو متى سقطت عليك الصخرة؟".



    صوت مفتول العضلات ردَّ والمرُّ يتناثر حول شفتيه رزازًا: "في أكتوبر سنة 1981م".

    ------------

    * عبد الجليل الشرنوبي- shrnopy@hotmail.com

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة سبتمبر 20, 2024 3:44 pm