القدس لنا
"القدس" أو بيت المقدس اسم لم تعرفه المدينة المقدسة إلا يوم عرفت المسلمين والإسلام يعد أن فتحها عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فقد سماها الكنعانيون منذ خمسة ألاف سنة "يورد شالم" ومنه جاءت التسمية اليهودية في "العهد القديم" بـــ "أورشليم" ، وعندما دمرها الرومان للمرة الثانية سنة 135 م غيروا أيضا أسمها إلى "إيليا كابيوتوليا" وهو الاسم الذي غيره المسلمون بعد الفتح إلى "القدس" أو "بيت المقدس" ، ذلك أنم المسلمين دون غيرهم أعرف بقدسية هذا الأرض التي سمى الله بها المسجد قبل أن يسجد به أحد فقال " سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله " سورة الإسراء أية 1 ، فالذي بارك الله حوله كيف تكون البركة فيه هو ؟! إن الأرض هناك كلها مباركة عند المسلمين ، لأنها كذلك عند الله ، فعندما هاجر إليها إبراهيم ولوط عليهما السلام ، قال تعالي " ونجيناه ولوطا إلي الأرض التي باركنا فيها للعالمين " سورة الأنبياء أية 71
ولأول مرة تصبح المدينة كلها عامة القداسة لجميع الأديان – اليهودية والمسيحية والإسلام – بعد أن كانت حكرا علي دين من يملك زمامها فيحتكر مقدساتها ، ويضطهد غيره ويهين مقدساته بها ، حدث هذا عندما دخلها العبرانيون في القرن العاشر قبل الميلاد ، وانشئوا فيها الدولة العبرية التي استمرت أربعة قرون " 415 سنة "
حتى دخلها البابليون سنة 585 ق م وأزالوا مملكة يهوذا من الوجود ، وبهذه القرون الأربعة ادعي اليهود حقا تاريخيا ودينيا في فلسطين ، فإذا كان اليهود الذين يرون أنفسهم شعب الله المختار ، والجنس الذي لا يريد أن يدخل احد في دينه ، فإن الحق الأوضح بذات المنطق هو للمسلمين الذين مكثوا أربعة عشر قرنا من الزمان هناك لا أربعة ، ودخل في دينهم كثير من أهل الأرض الأصليين من كنعان الذين سكنوا الأرض خمسة ألاف عام ، وإذا كانت هناك شبهة حجة دينية بأن قال الله لهم " ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم " فإنما قيل لهم هذا يوم أن كانوا مسلمين ،
وإتباعا لنبي الله المسلم موسي ، واليوم نحن أحق بموسي منهم فنحن أتباع موسي كما نحن أتباع إبراهيم ومحمد عليهم السلام أجمعين ، ففي الوقت الذي يتمسحون فيه بنبي الله داوود ويتخذون لأنفسهم شعارا هو " نجمة داوود " يعلن الله أن داوود يلعنهم متبرئا مما يفعلون فيقول تعالى " لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسي ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون " سورة المائدة إيه 78 ، فإذا كانت الأرض مكتوبا دخولها لمن كانوا مع موسي فقد دخلوها يوم كانوا مسلمين وانتهي الأمر ، وان كانت لأتباعه علي الدوام فنحن أتباع موسي وإبراهيم ويعقوب ومحمد وكلهم نبي مسلم " ووصي بها إبراهيم بنيه ويعقوب أن الله اصطفي لكم الدين فلا تموتن إلا وانتم مسلمون ، أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك واله أبائك إبراهيم وإسماعيل واسحق إلها واحدا ونحن له مسلمون " البقرة أيه 132- 133
وعندما تدينت الدولة الرومانية في القرن الرابع من الميلاد ، مارست الاحتكار للمدينة فجعلته قصرا علي مقدسات النصرانية ، وحولوا مكان هيكل اليهود بعد هدمه إلي مقلب للقمامة تجلب إليه قاذورات المدينة وما حولها ، فلما فتحها عمر رضي الله عنه طهر هذه الأماكن من تلك القاذورات ، ويتحرج عمر عندما يحين وقت الصلاة وهو في كنيسة القيامة ان يصلي فيها ، رغم دعوة البطريرك " صفرونيوس " له بالصلاة فيها ، وذلك حتى لا تكون هناك شبهة حق لمسلم في أرض الكنيسة أن يبنى فيها مسجدا ،
وتعامل عمر من اول الفتح على انه يتعامل مع ارض مقدسة ، ففتحها صلحا لا حربا ، وأخر الفتح حتى يذهب بنفسه ليتسلم مفتاح المدينة ، وهو ذات ما فعل صلاح الدين الأيوبي عندما حررها من الصليبين ، فحررها صلحا بعد الحصار ، وامن الصليبيين علي أنفسهم حتى يخرجوا ، رغم أنهم يوم احتلوا المدينة قبلها بنحو تسعين عاما أقاموا بها المذابح لسبعة أيام خاضت فيها أقدام خيولهم في دماء المسلمين التي ملأت الشوارع ، ولم يفرقوا في الذبح بين رجل و امرأة وشيخ وطفل ، ولكنها أخلاق المسلمين التي أبت على صلاح الدين أن يفعل شيئا كهذا .
وهكذا لم يؤمن كل صاحب دين علي دينه ومقدساته في فلسطين إلا تحت الحكم الإسلامي ، لأن الإسلام دون غيره هو الذي يعتبر ذلك جزءا من عقيدته ، ففي الوقت الذي يري اليهود أن المسيحية والإسلام ليسا بشي ، فاضطهدوا اليهود قبل ظهور الإسلام ، وحاربوا الإسلام بعد ظهوره وحاولوا قتل نبيه صلي الله عليه وسلم ، ومازالوا يكيدون ، وغزة القريبة أحداثها شاهد صدق علي ما تحمل أنفسهم من حقد علي المسلمين ، وفي الوقت الذي تري فيه المسيحية أن اليهودية عهد قد ولي ، ولا تعترف أصلا بالإسلام ،
فان الإسلام يجعل من عقيدته الإيمان بأصل هذه الأديان ، فيحفظ لأهلها حقوقهم في العبادة ، ويحافظ علي مقدساتهم ، قال تعالي " آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ، لا نفرق بين احد من رسله ، قالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير " سورة البقرة آية 285.