هند عبد الله تكتب إلى كل زوجة: واجهي فشلك تسعدي
والقصة هنا ليست قصة حب متوهج الأحاسيس، ولا عاطفة متأججة المشاعر؛ بل هي حب قد مضى، وجميل قد أُنكر، وسوء تعامل مع امرأةٍ مُحبِّة.
هي قصة فيها من الصعوبات واليأس الشديد والكثير من الحزن والألم والمرارة بالمرأة، هنا قد ساءَ خلق زوجها وكبُر سنه وسنها، فلا مجالَ للتراجع أو البحث عن البديل.
الغضب الأعمى
تقول عن زوجها (أوس بن الصامت) كنت عنده، وكان شيخًا كبيرًا قد ساء خلقه وضجر، فدخل عليَّ يومًا فراجعته بشيء فغضب، وقال: أنتِ عليَّ كظهر أمي، ثم خرج فجلس في نادي قومه ساعةً، ثم دخل عليَّ فإذا هو يريدني فقلت: كلا، والذي نفسي بيده لا تخلص إليَّ، وقد قلتَ ما قلت حتى يحكم الله بيننا.
ثم خرجت الزوجة (خولة بنت ثعلبة) تقول: خرجتُ حتى جئتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجلستُ بين يديه، فذكرت له ما لقيت منه، فجعلت أشكو إليه ما ألقى من سوءِ خلقه؛ فجعل الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "يا خولة ابن عمك شيخ كبير فاتقي الله"، قالت: فوالله ما برحتُ حتى نزل فيَّ القرآن، فتغشَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يتغشاه ثم سُري عنه.
لم تستسلم لفشلها
وهكذا لم تستسلم لفشلها، لم تضعف لم تجلس في بيتها تنعى حظها، لقد كان الظهار عادةً منتشرةً في الجاهلية، فشاء الله تعالى أن تكون جهود تلك السيدة، وعدم اعترافها بهزيمتها سببًا في إبطال تلك العادة، فكانت بركةً للنساء جميعًا.
وكم من زوجةٍ كبُر سنها وتزوَّج أبناؤها، فما كان من زوجها بعد تقاعده من عمله إلا أنه بدأ يُسيء إليها ويُخاصمها ويقاطعها بالشهور، وهما في بيتٍ واحد.
قالت عائشة- رضي الله عنها-: تبارك الذي وسع كل شيء، وإني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة ويخفى عليَّ بعضه، وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي تقول: (يا رسول الله أكل شبابي، ونثرتُ له بطني، حتى إذا كبر سني وانقطع ولدي، ظاهر مني، اللهم إني أشكو إليك).
وتُبكينا خولة بشكواها، لكن نور الأمل ما زال يملأ الدنيا، فمن لجأ إلى الله تعالى فخذله؟ مَن الذي دعاه بصدقٍ فطرده؟
قالت عائشة: فما برحت حتى نزل جبريل عليه السلام بهذه الآيات.
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم لخولة: يا خولة قد أنزل الله فيكِ وفي صاحبكِ، ثم قرأ عليَّ ﴿قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1) الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2) وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4)﴾ (المجادلة).
نعم إن الله سميعٌ بصيرٌ، فلا تيأسي أبدًا من رحمته مهما عظمت مشكلتكِ.
زوجة محبة كريمة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لخولة: "مريه فليعتق رقبة"، قالت: والله يا رسول الله ما عنده ما يعتق، قال: "فليصم شهرين متتابعين"، قالت: والله إنه لشيخٌ كبيرٌ ما به من طاقة قال: "فليطعم ستين مسكينًا وسقًا من تمر حمل بعير"، قالت: يا رسول الله ما ذاك عنده، قال: "فإنا سنعينكِ بحذقٍ من تمر"، قالت: يا رسول الله، وأنا سأعينه بحذقٍ آخر.
فيا لكرم خُلقها.. ويا لطيبِ معدنها.. ويا لتفاؤلها تجاه تلك المشكلة الصعبة التي كان السبب فيها زوجها.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبركم بنسائكم في الجنة؟" قالوا: بلى يا رسول الله قال: "ودود ولود، إذا غضبت أو أُسيء إليها أو غضب زوجها قالت هذه يدي في يدك لا أكتحل بغمضٍ حتى ترضى" (الطبراني).
هكذا ديننا العظيم.. المهم هو رأب الصدع، وإصلاح ذات البين، والرجل كما هو معروف كلمة "آسف" كلمة صعبة ثقيلة على لسانه، وإن كان مخطئًا شديدَ الخطأ.
وهذه الفعلة الراقية من زوجته تُسهِّل عليه الصلح، وتحفظ له ماء وجهه.
ولنتخيل لو كان هذا هو مبدأ كل زوجة، ألا تبيت المشكلة في بيتها ليلة واحدة، وأن تبادر لي بالإصلاح لماتت المشكلة في مهدها، والعكس إن طالت المدة؛ حيث يبدأ الشيطان ينفخ في نارها، ويزيدها اشتعالاً تدخل الأهل، ولنسمع هذه المشكلة البسيطة، بدايتها الرهيبة ونهايتها.
قال لها زوجها: أريد كوبًا من الماء، وكانت الزوجة في قمة انشغالها بأطفالها وأعمالها المنزلية؛ بينما كان هو يجلس وهو يدير أزرار التلفاز، فصاحت الزوجة وهل أنا خادمة لديك؟ فصرخ فيها بل أنتِ أحقر من ذلك، فتخرج إلى بيت أهلها غاضبةً، وتغضب الأم معترضةً "ابنتي تخرج من بيتها ليلاً".
فيرد الزوج بكلمةٍ سيئةٍ، فيتدخل الأب ويزيد الصراع سوءًا.
وماذا على هذه الزوجة أن تبتسم في وجه زوجها منذ البداية وتقول: أنت تأمر وتسارع بإحضار الكوب وهي تستشعر كل ثوابات الأعمال الصالحة، ولتقل في نفسها إن شاءت "خادم القوم سيدهم".
ديننا العظيم
يحضنا ديننا العظيم على التسامح؛ لتسير سفن الحياة، والقلب صافٍ وخالٍ من الهم والغم؛ كي لا تنقطع الأواصر والروابط رغم كل الأسباب، ولنا في قدوتنا ومعلمنا أسوة حسنة في التغاضي عن الزَّلات.
جرى بينه وبين عائشة خلاف حتى دخل أبو بكر- رضي الله عنه- حكمًا بينهما، فقال لها الرسول صلى الله عليه وسلم: "تكلمي أو أتكلم أنا؟" فقالت: "تكلم أنت ولا تقل إلا حقًّا".. ما هذا هل هو اتهام للرسول الصادق الأمين بالكذب؟
عظمت في صدر أبي بكر فلطم عائشة- رضي الله عنها- حتى أدمى فاها، وقال: أَوَ يقول غير الحق يا عدوةَ نفسها؟" فاستجارت برسول الله صلى الله عليه وسلم، وقعدت خلف ظهره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: "إنا لم ندعك لهذا، ولم نرد منك هذا" (البخاري).
ديننا يعلِّمنا الكثير، ولو اتبعناه لاستقامت الحياة؛ فالدعوة للعفو والحلم مفتوحة في جميع الأوقات حتى في أحلك الظروف.
قال تعالى: ﴿الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ (البقرة: من الآية 229)؛ حتى لو اشتدَّ الخلاف وأغلق خط الرجعة يأتي الإحسان.
واليوم!!
وانظر إلى ما يحدث اليوم: هي لا تريد أن تخرج من الصفقة خاسرة فترفع القضايا، وهو لا يريد أن يترك لها شيئًا فيتعسف ويتعنت ويعلقها، ويشترط أن تتنازل عن حقوقها قبل الطلاق.
وانظر إلى مبدأ الإسلام يعلنه مدويًا ﴿لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ﴾ (الطلاق: من الآية 7)، وبدلاً من شد الأولاد بين الطرفين لتتقطع أوصالهم؛ يأتي نبل الأخلاق، وتأتي التقوى التي أخبرنا عنها الله تعالى في سورة الطلاق: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ﴾ (الطلاق)، وهكذا الحياة ميسرة وسهلة، ومريحة بالإسلام وباتباع أوامر الله تعالى؛ حتى في أحلك الظروف؟
نعم.. حتى في أحلك الظروف.
رُوي عن عمر بن الخطاب أنه مرَّ بعجوز في زمن خلافته، وهو على حمار، والناس من حوله، فاستوقفته ووعظته فقيل له: أتقف لهذه العجوز هذا الموقف؟ فقال: أتدرون مَن هذه العجوز؟ هي خولة بنت ثعلبة، سمع الله قولها من فوق سبع سماوات، أيسمع رب العالمين قولها ولا يسمعه عمر؟
والقصة هنا ليست قصة حب متوهج الأحاسيس، ولا عاطفة متأججة المشاعر؛ بل هي حب قد مضى، وجميل قد أُنكر، وسوء تعامل مع امرأةٍ مُحبِّة.
هي قصة فيها من الصعوبات واليأس الشديد والكثير من الحزن والألم والمرارة بالمرأة، هنا قد ساءَ خلق زوجها وكبُر سنه وسنها، فلا مجالَ للتراجع أو البحث عن البديل.
الغضب الأعمى
تقول عن زوجها (أوس بن الصامت) كنت عنده، وكان شيخًا كبيرًا قد ساء خلقه وضجر، فدخل عليَّ يومًا فراجعته بشيء فغضب، وقال: أنتِ عليَّ كظهر أمي، ثم خرج فجلس في نادي قومه ساعةً، ثم دخل عليَّ فإذا هو يريدني فقلت: كلا، والذي نفسي بيده لا تخلص إليَّ، وقد قلتَ ما قلت حتى يحكم الله بيننا.
ثم خرجت الزوجة (خولة بنت ثعلبة) تقول: خرجتُ حتى جئتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجلستُ بين يديه، فذكرت له ما لقيت منه، فجعلت أشكو إليه ما ألقى من سوءِ خلقه؛ فجعل الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "يا خولة ابن عمك شيخ كبير فاتقي الله"، قالت: فوالله ما برحتُ حتى نزل فيَّ القرآن، فتغشَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يتغشاه ثم سُري عنه.
لم تستسلم لفشلها
وهكذا لم تستسلم لفشلها، لم تضعف لم تجلس في بيتها تنعى حظها، لقد كان الظهار عادةً منتشرةً في الجاهلية، فشاء الله تعالى أن تكون جهود تلك السيدة، وعدم اعترافها بهزيمتها سببًا في إبطال تلك العادة، فكانت بركةً للنساء جميعًا.
وكم من زوجةٍ كبُر سنها وتزوَّج أبناؤها، فما كان من زوجها بعد تقاعده من عمله إلا أنه بدأ يُسيء إليها ويُخاصمها ويقاطعها بالشهور، وهما في بيتٍ واحد.
قالت عائشة- رضي الله عنها-: تبارك الذي وسع كل شيء، وإني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة ويخفى عليَّ بعضه، وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي تقول: (يا رسول الله أكل شبابي، ونثرتُ له بطني، حتى إذا كبر سني وانقطع ولدي، ظاهر مني، اللهم إني أشكو إليك).
وتُبكينا خولة بشكواها، لكن نور الأمل ما زال يملأ الدنيا، فمن لجأ إلى الله تعالى فخذله؟ مَن الذي دعاه بصدقٍ فطرده؟
قالت عائشة: فما برحت حتى نزل جبريل عليه السلام بهذه الآيات.
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم لخولة: يا خولة قد أنزل الله فيكِ وفي صاحبكِ، ثم قرأ عليَّ ﴿قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1) الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2) وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4)﴾ (المجادلة).
نعم إن الله سميعٌ بصيرٌ، فلا تيأسي أبدًا من رحمته مهما عظمت مشكلتكِ.
زوجة محبة كريمة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لخولة: "مريه فليعتق رقبة"، قالت: والله يا رسول الله ما عنده ما يعتق، قال: "فليصم شهرين متتابعين"، قالت: والله إنه لشيخٌ كبيرٌ ما به من طاقة قال: "فليطعم ستين مسكينًا وسقًا من تمر حمل بعير"، قالت: يا رسول الله ما ذاك عنده، قال: "فإنا سنعينكِ بحذقٍ من تمر"، قالت: يا رسول الله، وأنا سأعينه بحذقٍ آخر.
فيا لكرم خُلقها.. ويا لطيبِ معدنها.. ويا لتفاؤلها تجاه تلك المشكلة الصعبة التي كان السبب فيها زوجها.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبركم بنسائكم في الجنة؟" قالوا: بلى يا رسول الله قال: "ودود ولود، إذا غضبت أو أُسيء إليها أو غضب زوجها قالت هذه يدي في يدك لا أكتحل بغمضٍ حتى ترضى" (الطبراني).
هكذا ديننا العظيم.. المهم هو رأب الصدع، وإصلاح ذات البين، والرجل كما هو معروف كلمة "آسف" كلمة صعبة ثقيلة على لسانه، وإن كان مخطئًا شديدَ الخطأ.
وهذه الفعلة الراقية من زوجته تُسهِّل عليه الصلح، وتحفظ له ماء وجهه.
ولنتخيل لو كان هذا هو مبدأ كل زوجة، ألا تبيت المشكلة في بيتها ليلة واحدة، وأن تبادر لي بالإصلاح لماتت المشكلة في مهدها، والعكس إن طالت المدة؛ حيث يبدأ الشيطان ينفخ في نارها، ويزيدها اشتعالاً تدخل الأهل، ولنسمع هذه المشكلة البسيطة، بدايتها الرهيبة ونهايتها.
قال لها زوجها: أريد كوبًا من الماء، وكانت الزوجة في قمة انشغالها بأطفالها وأعمالها المنزلية؛ بينما كان هو يجلس وهو يدير أزرار التلفاز، فصاحت الزوجة وهل أنا خادمة لديك؟ فصرخ فيها بل أنتِ أحقر من ذلك، فتخرج إلى بيت أهلها غاضبةً، وتغضب الأم معترضةً "ابنتي تخرج من بيتها ليلاً".
فيرد الزوج بكلمةٍ سيئةٍ، فيتدخل الأب ويزيد الصراع سوءًا.
وماذا على هذه الزوجة أن تبتسم في وجه زوجها منذ البداية وتقول: أنت تأمر وتسارع بإحضار الكوب وهي تستشعر كل ثوابات الأعمال الصالحة، ولتقل في نفسها إن شاءت "خادم القوم سيدهم".
ديننا العظيم
يحضنا ديننا العظيم على التسامح؛ لتسير سفن الحياة، والقلب صافٍ وخالٍ من الهم والغم؛ كي لا تنقطع الأواصر والروابط رغم كل الأسباب، ولنا في قدوتنا ومعلمنا أسوة حسنة في التغاضي عن الزَّلات.
جرى بينه وبين عائشة خلاف حتى دخل أبو بكر- رضي الله عنه- حكمًا بينهما، فقال لها الرسول صلى الله عليه وسلم: "تكلمي أو أتكلم أنا؟" فقالت: "تكلم أنت ولا تقل إلا حقًّا".. ما هذا هل هو اتهام للرسول الصادق الأمين بالكذب؟
عظمت في صدر أبي بكر فلطم عائشة- رضي الله عنها- حتى أدمى فاها، وقال: أَوَ يقول غير الحق يا عدوةَ نفسها؟" فاستجارت برسول الله صلى الله عليه وسلم، وقعدت خلف ظهره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: "إنا لم ندعك لهذا، ولم نرد منك هذا" (البخاري).
ديننا يعلِّمنا الكثير، ولو اتبعناه لاستقامت الحياة؛ فالدعوة للعفو والحلم مفتوحة في جميع الأوقات حتى في أحلك الظروف.
قال تعالى: ﴿الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ (البقرة: من الآية 229)؛ حتى لو اشتدَّ الخلاف وأغلق خط الرجعة يأتي الإحسان.
واليوم!!
وانظر إلى ما يحدث اليوم: هي لا تريد أن تخرج من الصفقة خاسرة فترفع القضايا، وهو لا يريد أن يترك لها شيئًا فيتعسف ويتعنت ويعلقها، ويشترط أن تتنازل عن حقوقها قبل الطلاق.
وانظر إلى مبدأ الإسلام يعلنه مدويًا ﴿لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ﴾ (الطلاق: من الآية 7)، وبدلاً من شد الأولاد بين الطرفين لتتقطع أوصالهم؛ يأتي نبل الأخلاق، وتأتي التقوى التي أخبرنا عنها الله تعالى في سورة الطلاق: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ﴾ (الطلاق)، وهكذا الحياة ميسرة وسهلة، ومريحة بالإسلام وباتباع أوامر الله تعالى؛ حتى في أحلك الظروف؟
نعم.. حتى في أحلك الظروف.
رُوي عن عمر بن الخطاب أنه مرَّ بعجوز في زمن خلافته، وهو على حمار، والناس من حوله، فاستوقفته ووعظته فقيل له: أتقف لهذه العجوز هذا الموقف؟ فقال: أتدرون مَن هذه العجوز؟ هي خولة بنت ثعلبة، سمع الله قولها من فوق سبع سماوات، أيسمع رب العالمين قولها ولا يسمعه عمر؟